مرضعات الحبيب صلى الله عليه وسلم
1 - ثويبة
وهي أول من أرضعته صلى الله عليه وسلم بعد أمه ، وهي جارية عمه أبي لهب ، وقد أعتقها حين بشرته بولادته فكان ذلك سبباً في تخفيف العذاب عنه من كل يوم اثنين كما جاء عن الحافظ الدمياطي : عن العباس بن عبد المطلب بقوله : " مكثت حولا بعد موت أبي لهب لا أراه في نوم ، ثم رأيته في شرّ حال ، فقلت له : ماذا لقيت ؟. فقال له أبو لهب : لم أذق بعدكم رخاء. غير أني سقيت في هذه وأشار إلى النقرة المذكور بعتاقتي ثويبة ".
وكان بلبن ابنها مسروح وفي السيرة الشامية أنها أرضعت قبله ابن عمه أبو سفيان بن الحارث ، وقبلهما حمزة بن عبد المطلب الذي هو أسن منهما بسنتين أو أربع ..
2- العواتك
وأرضعه ثلاث نسوة : أي أبكار من بني سليم، أخرجن ثديهن فوضعنها في فمه فدرت في فيه فرضع منهن ، وأرضعته أم فروة ، أي وهؤلاء النسوة الأبكار كل واحدة منهن تسمى عاتكة ، وهن اللاتي عناهن صلى الله عليه وسلم بقوله : « أنا ابن العواتك من سليم » ..
3- أم أيمـــن
وهي مرضعته وحاضنته ، كانت عند أمه آمنة ، ولا يعرف لها ولد إلا أيمن الذي ولد قبل ولادة النبي بكثير ، وأسامة الذي ولد بعد الهجرة ، فيقال أنه جاز أن لبنها در له من غير وجود ولد كما تقدم في النسوة الأبكار.
4- حليمة السعدية
اسمها ونسبها :
حليمة ابنة أبي ذؤيب عبد الله بن الحارث بن شجنة بن جابر بن رزام بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس بن عيلان ، ووأما زوجها فهو الحارث بن عبدالعزى بن رفاعة بن ملان بن ناصرة بن فصية بن نصر بن سعد بن بكر بن هوازن ..
وأما إخوة رسول الله من الرضاعة فهم :
عبد الله بن الحارث ، وأنيسة بنت الحارث ، وحذافة بنت الحارث ، وهي الشيماء ، غلب ذلك على اسمها فلا تعرف في قومها إلا به وكانت تحضنه مع أمها وهم لحليمة بنت أبي ذؤيب ..
خروجها مع قبيلتها لالتماس المواليد الجدد :
خرجت حليمة من بلدها مع زوجها ، وابن لها صغير ترضعه في نسوة من بني سعد بن بكر ، تلتمس الرضعاء ، قالت : وذلك في سنة شهباء ، لم تبق لنا شيئاً . قالت : فخرجت على أتان لي قمراء ، معنا شارف لنا ، والله ما تبض بقطرة ، وما ننام ليلنا أجمع من صبينا الذي معنا ، من بكائه من الجوع ، ما في ثديي ما يغنيه ، وما في شارفنا ما يغديه ..
فما منا امرأة إلا وقد عرض عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فتأباه ، إذا قيل لها إنه يتيم ، وذلك أنّا إنما كنا نرجو المعروف من أبي الصبي ، فكنا نقول : يتيم ! وما عسى أن تصنع أمه وجده ! فكنا نكرهه لذلك ، فما بقيت امرأة قدمت معي إلا أخذت رضيعاً غيري ، فلما أجمعنا الانطلاق ..
قبولها رضاعة رسول الله :
قالت حليمة : استقبلني عبد المطلب فقال: من أنت؟ فقلت: أنا امرأة من بني سعد قال: ما اسمك؟ قلت حليمة، فتبسم عبد المطلب وقال: بخ بخ ، سعد وحلم، خصلتان فيهما خير الدهر وعز الأبد، يا حليمة إن عندي غلاماً يتيماً، وقد عرضته على نساء بني سعد فأبين أن يقبلن وقلن: ما عند اليتيم من الخير، إنما نلتمس الكرامة من الآباء، فهل لك أن ترضعيه، فعسى أن تسعدي به؟ فقلت: ألا تذرني حتى أشاور صاحبي، فانصرفت إلى صاحبي فأخبرته، فكأن الله قذف في قلبه فرحاً وسروراً ..
فقال لي : يا حليمة خذيه ، فرجعت إلى عبد المطلب فوجدته قاعداً ينتظرني ، فقلت: هلمّ الصبي، فاستهل وجهه فرحاً، فأخذني وأدخلني بيت آمنة، فقالت لي : أهلاً وسهلاً، وأدخلتني في البيت الذي فيه محمد ..
النظرة الأولى للحبيب :
فإذا هو مدرج في ثوب صوف أبيض من اللبن، وتحته حريرة خضراء، راقد على قفاه يغط ، يفوح منه رائحة المسك، فأشفقت: أي خفت أن أوقظه من نومه لحسنه وجماله، فوضعت يدي على صدره فتبسم ضاحكاً وفتح عينيه إليّ، فخرج من عينيه نور حتى دخل خلال السماء وأنا أنظر، فقبلته بين عينيه وأخذته، وما حملني على أخذه : أي أكد أخذه إلا أني لم أجد غيره، وإلا فما ذكرته من أوصافه مقتض لأخذه : أي وهذه الرواية ربما تدل على أنها لم تره قبل ذلك، وأن إباءها كان قبل رؤيتها له ..
البركة من أول ليلة :
قالت: فلما أخذته رجعت به إلى رحلي، فلما وضعته في حجري أقبل ثدياي بما شاء الله من لبن فشرب حتى روي : أي من الثدي الأيمن، وعرضت عليه الأيسر فأباه. قالت حليمة : وكانت تلك حالته بعد - أي بعد ذلك - لا يقبل إلا ثدياً واحداً وهو الأيمن.
وشرب معه أخوه حتى روي - وقد يكون شرب من الثدي الأيسر - ثم ناما ، وما كنا ننام معه قبل ذلك ، وقام زوجي إلى شارفنا تلك ، فإذا إنها لحافل ، فحلب منها ما شرب ، وشربت معه حتى انتهينا ريا وشبعا ، فبتنا بخير ليلة .
نشاط أتان حليمة :
قالت : يقول صاحبي حين أصبحنا : تعلمي والله يا حليمة ، لقد أخذت نسمة مباركة ؛ فقلت : والله إني لأرجو ذلك ، ثم خرجنا وركبت أنا أتاني ، وحملته عليها معي ، فوالله لقطعت بالركب ما يقدر عليها شيء من حمرهم ، حتى إن صواحبي ليقلن لي : يا ابنة أبي ذؤيب ، ويحك ! اربعي علينا ، أليست هذه أتانك التي كنت خرجت عليها فأقول لهن : بلى والله ، إنها لهي هي ؛ فيقلن : والله إن لها لشأنا ..
دخول ديار بني سعد ورائحة المسك :
عن حليمة رضي الله عنها : « لما دخلت به إلى منزلي لم يبق منزل من منازل بني سعد إلا شممنا منه ريح المسك، وألقيت محبته : أي واعتقاد بركته في قلوب الناس، حتى إنّ أحدهم كان إذا نزل به أذى في جسده أخذ كفه فيضعها على موضع الأذى فيبرأ بإذن الله تعالى سريعاً.
البركة في كل شئ ورسول الله معهم :
وكانت ديار بني سعد من أجدب الأراضي في ذلك الوقت ، وبقدوم رسول الله صلى الله عليه وسلم إليهم كانت غنم حليمة تروح شباعا لُبَّنَا ، فنحلب ونشرب ، وما يحلب إنسان قطرة لبن ، ولا يجدها في ضرع ، حتى كان الحاضرون من قومنا يقولون لرعيانهم : ويلكم سرحوا حيث يسرح راعي بنت أبي ذؤيب ، فتروح أغنامهم جياعاً ما تبض بقطرة لبن ، وتروح غنمي شباعا لبنا .
فلم نزل نتعرف من الله الزيادة والخير حتى مضت سنتاه وفصلته ، وكان يشبّ شبابا لا يشبه الغلمان ، فلم يبلغ سنتيه حتى كان غلاما جفراً أي غليظاً شديداً ..
أول ما نطق به :
عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما : «كان أول كلام تكلم به حين فطمته حليمة رضي الله تعالى عنها : الله أكبر كبيراً، والحمد لله كثيراً، وسبحان الله بكرة وأصيلا» أي وقد تقدم أنه تكلم بهذا عند خروجه من بطن أمه. وفي رواية « أوّل كلام تكلم به في بعض الليالي : أي وهو عند حليمة : لا إله إلا الله قدوساً قدوساً نامت العيون والرحمن لا تأخذه سنة ولا نوم » وكان لا يمس شيئاً إلا قال بسم الله.
نموه صلى الله عليه وسلم :
وعن حليمة رضي الله تعالى عنها : أنه لما بلغ شهرين كان يجيء إلى كل جانب ، ولما بلغ ثمانية أشهر كان يتكلم بحيث يسمع كلامه، ولما بلغ تسعة أشهر كان يتكلم الكلام الفصيح، ولما بلغ عشرة أشهر كان يرمي السهام مع الصبيان.
وقالت : وإنه لفي حجري ذات يوم إذ مرت به غنيماتي ، فأقبلت واحدة منهن حتى سجدت له وقبلت رأسه ثم ذهبت إلى صواحبها ..
رجوعه لحليمة بعد السنتين :
فقدمنا به على أمه ونحن أحرص شيء على مكثه فينا ، لما كنا نرى من بركته . فكلمنا أمه وقلت لها : لو تركت بُنيَّ عندي حتى يغلظ ، فإني أخشى عليه وبأ مكة ، قالت : فلم نزل بها حتى ردته معنا ..
حادثة شق الصدر الشريف وهو ابن سنتين :
قال : فرجعنا به ، فوالله إنه بعد مقدمنا به بشهر مع أخيه لفي بهم لنا خلف بيوتنا ، إذ أتانا أخوه يشتد ، فقال لي ولأبيه : ذاك أخي القرشي قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض ، فأضجعاه ، فشقا بطنه ، فهما يسوطانه . قالت : فخرجت أنا وأبوه نحوه ، فوجدناه قائما مُنتَقَعا وجهه . قالت : فالتزمته والتزمه أبوه ، فقلنا له : ما لك يا بني ؛ قال : جاءني رجلان عليها ثياب بيض ، فأضجعاني وشقا بطني ، فالتمسا فيه شيئا لا أدري ما هو . قالت : فرجعنا به إلى خبائنا .
وقال لي أبوه : يا حليمة ، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به ، قالت : فاحتملناه ، فقدمنا به على أمه ، فقالت : ما أقدمك به يا ظئر وقد كنت حريصة عليه ، وعلى مكثه عندك ؟ فقلت : قد بلغ الله بابني وقضيت الذي عليّ ، وتخوفت الأحداث عليه ، فأديته إليك كما تحبين ؛ قالت : ما هذا شأنك ، فاصدقيني خبرك . قالت : فلم تدعني حتى أخبرتها . قالت : أفتخوفت عليه الشيطان ؟ قالت : قلت : نعم ؛ قالت : كلا ، والله ما للشيطان عليه من سبيل ، وإن لبنيَّ لشأنا ، أفلا أخبرك خبره ..
قلت : بلى ؛ قالت : رأيت حين حملت به ، أنه خرج مني نور أضاء قصور بصرى من أرض الشام ، ثم حملت به ، فوالله ما رأيت من حمل قط كان أخف عليَّ ولا أيسر منه ، ووقع حين ولدته وإنه لواضع يديه بالأرض ، رافع رأسه إلى السماء ، دعيه عنك وانطلقي راشدة .
رسول الله يروي أصل الحادثة :
أن جماعة من أصحاب رسول الله سألوه أن يحدثهم عن نفسه فقال : (( بينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا ، إذ أتاني رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوءة ثلجاً ، ثم أخذاني فشقا بطني ، واستخرجا قلبي فشقاه ، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه ، ثم قال أحدهما لصاحبه : زنه بعشرة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بمائة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، فقال : دعه عنك ، فوالله لو وزنه بأمته لوزنها )) ..
سبب آخر لرجوعه لامه :
قال ابن إسحاق : " أن مما هاج أمه السعدية على رده إلى أمه ، مع ما ذكرت لأمه مما أخبرتها عنه ، أن نفراً من الحبشة نصارى ، رأوه معها حين رجعت به بعد فطامه ، فنظروا إليه وسألوها عنه وقلبوه ، ثم قالوا لها : لنأخذن هذا الغلام ، فلنذهبن به إلى ملكنا وبلدنا ، فإن هذا غلام كائن له شأن نحن نعرف أمره ، فزعم الذي حدثني أنها لم تكد تنفلت به منهم " ..
علاقة الحبيب صلى الله عليه وسلم بعائلة حليمة :
كان رسول الله جالساً ـ أي على ثوب ـ فأقبل أبوه من الرضاعة ، فوضع له بعض ثوبه فقعد عليه ، ثم أقبلت أمه فوضع لها شق ثوبه من الجانب الآخر فجلست عليه ، ثم أقبل أخوه من الرضاعة، فقام رسول الله فجلس بين يديه » ..
1- مَسْروُح أخو النبى عليه الصلاة والسلام من الرضاعة
أُمه ثويبة مولاة أبى لهب : عبد العزى بن عبد المطلب , عم النبى وبلبن هذا رضعَ ر سول الله صلى الله عليه وسلم [ثويبة حررها أبولهب لما بشرته بمولد رسول الله ]
2- حمْزةُ أخو النبى عليه الصلاة والسلام من الرضاعة أبن عبد المطلب عمُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم , أرضعته قبل رسول الله ثٌوَيَبَةُ مولاةُ أبى لهب عم النبى صلى الله عليه وسلم , وأخي حمزة : بأربع سنين
3- أبو سَلمَة أخو النبى صلى الله عليه وسلم من الرضاعة وهو أبن عبد الأسد المخزومىُّ, وزوج أم سلمة أم المؤمنين , أرضعته ثويبة مولاة أبى لهب عم النبى صلى الله عليه وسلم , قبلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع سنين
4- عبد الله أخو النبى صلى الله عليه وسلم من الرضاعة يُلقب برضيع رسول الله صلى الله عليه وسلم , أمه حليمة السعدية . وأبن الحارث بن عبد العزى أبن عم حليمة السعدية , أبى النبى صلى الله عليه وسلم من الرضاعة.
5 - حُذاَفَةُ [ واسمها الشيماء] أُخت النبى صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أُمها حليمة ُ بنت أبى ذُؤيب : عبد الله بن الحارث بن شِجْنَة بن جابربن رِزاَم بن ناصرة بن قُصيَة . المذكورة في نسب زوجها . وهي أُمُّ رسوِل الله صلى الله عليه وسلم من الرضاعة.
6 - أنِيسَةُ أُخت النبى صلى الله عليه وسلم من الرضاعة أُمها حليمة بنت أبى ذؤيب السعدية , وأبوها الحارث بن عبد العزى أبن عم حليمة , أم النبى صلى الله عليه وسلم.
معلومات عن الشيماء :
كانت تلاعب النبي وهو صغير، وتقول له:
يا ربَّنَـا أبْقِ لَـنَا مُحَمَّـدًا حتى أرَاهُ يَافِــعًا وأمْـــــرَدَا
ثُمَّ أَراهُ سَـيِّدًا مُـسَـوَّدَا واكْـبِـتْ أعَـادِيهِ مَعًا وَالْحُـسَّدَا
وَأعْطِهِ عِزّا يَـدُومُ أبدًا
وكان أبو عروة الأزدى إذا أنشد هذا يقول: ما أحسن ما أجاب اللَّه دعاءها!
إنها الشيماء "حذافة بنت الحارث" -رضى اللَّه عنها- أخت النبي من الرضاعة... وحاضنته مع أمها حليمة السعدية -رضى اللَّه عنها-.
أحبتْ الشيماء أخاها رسول اللَّه ، وتابعتْ أخباره أولا بأول، وسمعتْ بدعوته حين بُعث فصدقتْه وناصرتْه. رأتْ فى دعوته السلام والأمن والحب والتسامح والإخاء...
ولما أغارت خيل رسول اللَّه على هوازن قبيلة الشيماء، وهزم بني سعد، كانت فيمن أخذ من السبي، وكانت قد كبر سنها، وضعف جسمها وتغيرت ملامحها كثيرًا، فقالت لمن أسرها من المسلمين: أنا أخت صاحبكم. فلما قدموا بها، قالت: يا محمد! أنا أختك. وعرّفته بعلامة عرفها، فرحب بها وبسط لها رداءه فأجلسها عليه، ودمعت عيناه، فقال لها: "إن أحببتِ أن ترجعى إلى قومك أوصلتُك، وإن أحببتِ فأقيمى مكرَّمة محبّبة". فقالت: بل أرجع. فأسلمـت وأعطـاهـا النبي نَعـَمًا، وغـلامـًا، وجـارية؛ إكـرامًا لها.
ولما توفى رسول الله ارتد قومها (بنو سعد) عن الإسلام، فوقفتْ موقفًا شجاعًا، تدافع عن الإسلام بكل جهدها؛ حتى أذهب الله الفتنة عن قومها.
وكانت -رضى اللَّه عنها- كثيرة العبادة والتنسُّك، واشتهرت بشِعرها الذي ناصرت فيه الإسلام ورسوله، وظلت تساند المسلمين وتشد من أزرهم حتى أتاها اليقين، فرضى اللَّه عنها.