نوادر العرب
ــ خرج المهدي يتصيّد ، فغار به فرسه حتى وقع فــــي خــباء أعرابي ، فقال: يا أعرابي هــل مـــن قرى ( أي طعام الضيف ) ، فأخرج له قرص شعير ، فأكله ثمّ أخرج له فضلة من لبن فسقاه ، ثـمّ أتاه بنبيذ في ركوة فسقاه ، فلما شرب قال : أتدري من أنا ؟ قال : لا ، قال : أنا من خدم أمير المؤمــنين الخاصة ، قال : بـارك الله لك فـي مـوضـعك ، ثمّ سقاه مرة أخرى ، فشرب فقال : يا أعرابي ، أتدري من أنا ؟ قال : زعـمـت أنـك مـن خـدم أمـيـر المـؤمنين الخاصة ، قال : لا ، أنا من قوّاد أمير المؤمنين ، قــــال : رحبت بلادك وطاب مرادك ، ثمّ سـقـاه الـثالثة ، فلما فرغ قال : يا أعرابي ، أتدري من أنا ؟ قال : زعمت انك من قوّاد أمير المؤمنين ، قال : لا ، ولـكـنـي أمـيـر الـمـؤمنين . قال : فأخذ الأعرابي الركوة فــوكــأها وقال : إليك عني ، فوالله لو شربت الرابعة لادعيت انّك رسول الله ، فضحك المهدي حتــى غــشـي عليه ، ثمّ أحاطت به الخيل ، ونزلت إليه الملوك والأشراف ، فطار قلب الأعــرابـــي فقال له : لا بأس عليك ولا خوف ، ثمّ أمر له بكسوة ومال جزيل . | ||||||
ـ وحكى الأصمعي قال : ضلت لي إبل فخرجت في طلبها ، وكان البرد شديداً ، فالتجأت إلى حي من أحياء العرب ، وإذا بجماعة يصلون وبقربهم شيخ ملتف بكساء وهو يرتعد من البرد الشديد وينشد :ـ | ||||||
وأنــــت بــحــالي يـا إلـهي أعلم |
| أيــــا ربِّ إن الــبرد أصــبـح كالحاً | ||||
ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم |
| فإن كنت يوماً في جهنم مدخلي | ||||
قال الأصمعي : فتعجبت من فصاحته ، وقلت له : يا شيخ أما تستحي تقطع الصلاة وأنت شيخ كبير ، فأنشد يقول :ـ | ||||||
ويكسو غيري كسوة البرد والحرّ |
| أيطمع ربي في أن أصلي عارياً | ||||
عشاء ولا وقت المغيب ولا الوتر |
| فوالله لا صليت ما عشت عارياً | ||||
وإن غمّمت فالويل للظهر والعصر |
| ولا الصبح إلا يوم شمس دفيئة | ||||
أصلي له مهما أعيش من العمر |
| وأن يكسني ربي قميصا وجبة | ||||
قال : فأعجبني شعره وفصاحته ، فنزعت قميصي وجبة كانا عليّ ودفعتهما إليه ، وقلت له : البسهما وقم ، فاستقبل القبلة وصلى جالساً ويقول :ـ | ||||||
عــلى غـير ظــهر مـومـياً نحو قبلـــتي |
| إليك اعتذاري من صلاتي جالساً | ||||
ورجلاي لا تقوى على ثــنــي ركبـتــي |
| فـــمــالــي بـبــرد يـا رب طــاقــة | ||||
وأقــضـــيــها يـــا رب فــي وجه صيفتي |
| ولــكـــنــنـي أسـتـغفر الله شاتياً | ||||
بما شئت من صفعي ومن نتف لحيتي |
| وأن أنا لــم أفـعـل فـأنـت مـحكم | ||||
قال: فعجبت من فصاحته ، وضحكت عليه وانصرفت | ||||||
نوادر القضاة | ||||||
ـ أحضر رجل ولده إلى القاضي فقال : يا مولانا إن هذا ولدي يشرب الخمر ولا يصلي ، فأنكر ولده ذلك ، فقال أبوه : يا سيدي أفتكون صلاة بغير قراءة ؟ فقال له القاضي ، اقرأ حتى أسمع فقال :ـ | ||||||
بعدما شابت وشابا |
| علق القلب الربابا | ||||
لا أرى فــيه ارتـيـابا |
| إن ديــن الله حق | ||||
فقال أبوه : إنه لم يتعلم هذا إلا البارحة ، سرق مصحف الجيران وحفظ منه ، فقال القاضي : وأنا الآخر أحفظ آيه منها وهي :ـ | ||||||
قد رأى الهجر عذابا |
| فارحمي مضنىً كئيبا | ||||
ثم قال القاضي : قاتلكم الله يعلم أحدكم القرآن ولا يعمل به | ||||||
ـ تحاكم الرشيد وزبيدة إلى أبي يوسف القاضي في الفالوذج واللوزينج أيهما أطيب ، فقال أبو يوسف : أنا لا أحكم على غائب ، فأمر الرشيد بإحضارهما ، وقدما بين يدي أبي يوسف ، فجعل يأكل من هذا مرة ومن هذا مرة حتى نصف الجامين ثم قال : يا أمير المؤمنين ما رأيت أعدل منهما كلما أردت أن أحكم لأحدهما أتى الآخر بحجته | ||||||
نوادر النحاة | ||||||
ـ وقف نحوي على بياع يبيع أرزاً بعسل وبقلاً بخل ، فقال : بكم الأرز بالأعسل والأخلل بالأبقل ؟ فقال : بالأصفع في الأرؤس والأضرط في الأذقن . ( المستطرف في كل فن مستظرف ص 535 ) | ||||||
ـ كان لبعضهم ولد نحوي يتقعر في كلامه . فاعتل أبوه علّة شديدة أشرف منها على الموت ، فاجتمع عليه أولاده ، وقالوا له : ندعو لك فلاناً أخانا ، قال : لا إن جاءني قتلني ، فقالوا : نحن نوصيه أن لا يتكلم ، فدعوه ، فلما دخل عليه قال له : يا أبتِ قل لا إله إلا الله تدخل بها الجنة وتفوز من النار ، يا أبتِ والله ما أشغلني عنك إلا فلان ، فإنه دعاني بالأمس ،فأهرس وأعدس واستبذج وسكبج وطهبج وأفرج ودجج وأبصل وأمضر ولوزج وافلوزج فصاح أبوه غمضوني ، فقد سبق ابن الزانية ملك الموت إلى قبض روحي | ||||||
ـ عاد بعضهم نحوياً فقال : ما الذي تشكوه ؟ قال : حمى جاسية نارها حامية منها الأعضاء واهية والعظام بالية فقال له : لا شافاك الله بعافية يا ليتها كانت القاضية | ||||||